الخميس، 30 أكتوبر 2008

الليلة الكبيرة


الليلة الكبيرة ياعمي والعالم كتيرة .... كلما سمعت تلك الكلمات التي أبدع فيها الأسطورة صلاح جاهين ولحنها الرائع سيد مكاوي ، يرجع شريط حياتي بسرعة كبيرة لفترة زمنية بعيدة وأراها أمامي وكأني أتابع فيلم تسجيلي قديم حيث أراني طفل صغير يقف علي كرسي عتيق - موجود في بيتنا قبل وجودي - مكون من الخشب الأملس الجميل وله أرجل طويلة نسبياً تجعله يرتقي بحالة ليتحول إلي مسرح صغير ومبطن بالجلد البني الفاتح ومحلي بالمسامير المنقوشة ذات الرؤوس الكبيرة وأستمع إلي تلك الملحمة في مشغل الأسطوانات الذي رغم عمره الكبير يعمل وبحالة جيدة علي إخراج الصوت بطابع مختلف .
أسمعها فقط ولا أشاهدها وأطلق العنان لخيالي وأتخيل بعض أبطال الاوبريت الريس حنتيرة ، وشجيع السيما ، والراقصة ، حتي رواد المقهي كنت أرسم لهم ملامح لشخصياتهم طبقاً لأصواتهم، بمجرد إنطلاق الأصوات من الجهاز أبدأ في أداء بعض الحركات الأستعراضية من تنطيط علي الكرسي ومحاولة الغناء وتقليد الشخصيات ، عالم كامل شعرت بكل شخصياته وتعايشت معها وعاصرت تناقضتها وإيجابيتها وسلبيتها والغريب أن كل هذا لا يحدث إلا في تلك الغرفة المحاطة جدرانها الأربعة بالكتب التي لا يوجد بها أي فتحات سوي مدخلها وباب البلكونة التي نادراً ماكان يقوم أحد بفتحها وفوق هذا الكرسي تحديداً الذي عاصر معي فترات وأغاني قد تكون رائعة لدرجة غير قابلة للتعويض أتذكر منها جدف يامراكبي للجميل محمد حمام .
شعرت في وقت من الأوقات أن هناك علاقة شخصية نشأت بيني وبين أبطال تلك الملحمة ، قد أتكلم مع أحدهم وألعب مع أطفالها وأتخيل شجيع السيما " أبو شنب بريما " وهو يحاول القيام بكهربة السبع فينكشف أمره مع أول صياح للأسد ، أستمتع بشقاوة الأراجوز وهو يقوم بتضليل السائل ، كل هذا كان يمر علي في لحظات إستماعي لهذه الملحمة قبل أن أشاهدها وبعدما شاهدتها كعرض للعرائس زاد إنبهاري بها كطفل صغير ، وتحولت شخصياتها بأسمائها إلي مادة خصبة في خيالي للكلام والغناء وحاولت مرات عديدة أن أرسم بعض من أبطالها ، وبمرور الوقت ظلت تلك الشخصيات تختفي من حياتي واحدة وراء الأخري ولم يتبقي منهم سوي خيالات مشوشة وكلمات جاهين التي أحاول الحفاظ عليها وعلي ماتبقي من تلك الفترة .أما الأن وبعد أن تركت بيتي القديم وتركت معه كماً هائلاً من المواقف والذكريات الجميلة وبعدما توقفت الحياة عن إعطائي مثل تلك الأشياء - أو هكذا أعتقد - أذهب بين الحين والأخر إلي بيتي القديم وأدخل إلي تلك الغرفة فأجد مسرحي الصغير يأخذ من أحد الأركان مستقراً له وعندما أنظر إلي أرضيته أجد بها قطعاً صغيراً نتيجة إختراق قدم طفل صغير لها أثناء تأديته لأخر إستعراض من إستعراضاته اليومية ... زحمة ياولداه كام .. عيل تاه .



ضربة شمس ( جريدة الدستور 29/10/2008 )

الثلاثاء، 14 أكتوبر 2008

هرطقة


اليوم أستيقظت وجلست علي طرف فراشي وأنا أشعر بثقل في أجنحتي ويتملكني هاجس البحث عن أوبشن جديد يحل بديلاً عن التحليق حيث أن أجنحتي كانت أخبرتني منذ يومين انها بحاجة إلي الراحة لفترة ليست طويلة وهذا شيء لو تعلمون عظيم ....
سيطر علي الرعب وأصابتني رعشة أعرفها جيداً ..... حتي أنتبهت أنه من الجنون والمستحيلات أن تتخلي عني أجنحتي وتذكرت أنها وضعت لي البديل في تحليقة الأمس العبقرية ......
ماذا لو جربت الغوص في الأعماق لفترة أينعم هي مغامرة ولكن ما الضرر من المحاولة .... تحركت وأنا أنوي الاقدام علي التجربة ، أحضرت دلو مليء بالمياة ووضعت رأسي داخله وتركتها قليلاً وفرحت عندما وجدت أن الوضع ليس سيئاً علي الاطلاق ....
فعزمت أمري وقررت فعلها وخلعت أجنحتي ووضعتها في هناجرها لإعادة تشغيلها وجريت ففتحت خزانتي وأخرجت منها زعانفي القديمة وتفحصتها بعناية ، يعلوها التراب من قلة الإستخدام ولكنها صالح لكل الأوقات وإرتديتها دون أن أبدل ملابسي وفتحت الكوة في أرضية الغرفة وقفزت .
شعرت برجفة إرتطامي بالمياة وإنتعشت وأنا اتطلع إلي ذلك العالم محاولاً إكتشاف مخلوقات أخري قد أكون في أمس الحاجة إليها ولكني لم أستطيع منع نفسي من الشعور بالرهبة والحنين إلي أجنحتي التي أعرف أنني سرعان ما سأعود إليها .

الأربعاء، 8 أكتوبر 2008

متعة إفساد المتعة


نتفق جميعاً أن لكل منا الدور الذي يلعبه في فيلم الحياة وبما أن مشاهد هذا الفيلم غير قابلة للإعادة فدائماً ما يكون هناك أشخاص نقابل بعضهم بمحض الصدفة وأحياناً يفرضون علينا كنتيجة طبيعة للدور الذي نقوم به .. هؤلاء الأشخاص يكون لهم تأثير كبير في جودة المشهد وبالتالي فهم قد يؤثرون في كل أحداث الفيلم من بدايته وحتي النهايته .

ولكن السؤال الذي يراودني باستمرار .. هل من الممكن أن يكون هناك فيلم بدون موسيقي تصويرية ؟ أعتقد أن هذا شيء مستحيل وبالتالي فأنا لدي قناعة بأن لكل منا الموسيقي التصويرية المصاحبة له في حياته ، قد تكون تلك الموسيقي أغنية أو أكثر وتختلف طبقاً للشخصية التي يلعبها كل واحد منا فالشخص الذي ستكون موسيقي منير هي المصاحبة له مثلاً سوف يكون مختلف شكلاً وموضوعاً عن الشخصية التي تأخذ من أغاني محمد فؤاد موسيقي مصاحبه لها طوال فترة الفيلم !

وبما أن الموسيقي التصويرية سوف تؤثر علي مشاهدين الفيلم الذين يلعبون أدوارهم أيضا في نفس الوقت فقد تكون الموسيقي التصويرية التي تختارها لدورك سبب في تغيير بعض تصرفات الشخصيات الأخرى التي تنعكس بدورها لتؤثر في أحداث الفيلم نفسه ، كما أنك سوف تجد بعض المحاولات للتطفل علي موسيقاك ومحاولة تغيريها طالما كانت دورك في الفيلم مؤثر وهنا سوف تجد أن نتائج تلك المحاولات من شأنها إفساد متعتك بلعب دورك في الحياة لأنه سيكون دور صامت بدون تفاعل وتناغم مع باقي فريق العمل ، وكما يحدث في الأفلام وأنت منهمك في أداء مشهد معين ويصاحبك صوت الملك ستجد شخصيات شريرة ( حلوة شريرة دي ) تجد متعتها في إفساد إستمتاعك بهذا المشهد ، ستسمع كلمات علي غرار ماتغير ياعم الأغنية دي أو أنت بتسمع الأغنية دي علشان هي بتحكي عن حاجة حصلتلك وكأن التطفل علي طريقة أداء البشر لحياتهم حق متاح لكل المشتركين في الفيلم دون النظر لهذا الشيء المسمي بالحرية ، فجأه تجد حياتك أصبحت مشاع للجميع من حق كل شخص أن يعلق ويبدي رأيه حتي في أبسط الحقوق الشخصية التي تتمثل في إختيارك نوع الموسيقي التصويرية لحياتك .بمجر الوصول للمرحلة التي تجد فيها أقرب الناس إليك غير قادر علي إستيعاب موسيقاك ويسعي لتغيريها أو إخمادها ستجد نفسك تسعي أنت الأخر لتغيريها ولكنك ستكتشف الحقيقة المتمثلة في أن تلك الموسيقي هي أنت وأي تغيير فيها هو في حد ذاته عبث وتغيير في ذاتك وبديهي جداً أن يؤدي هذا إلي فقدانك دورك في حياتك وتهميشك تماماً ، لكل ذلك قم بتشغيل موسيقاك في الام بي ثري بتاعك ( إلي هو جواك يعني ) وخلي صوته عالي أوي وغني معاه علشان تفضل علي طول بطل فيلمك وساعتها بس هتلاقي كل الناس الي كانت رافضه دورك مقتنعين تماماً بكل حركة وكلمة بتقولها وتأديها ولما ينزل تتر النهاية هيكون أسمك منفرداً كما يليق ببطل وليس كومبارس .... صامت .
ضربة شمس ( جريدة الدستور 24/9/2008 )