أحياناً في بعض الجلسات الدافئة مع الأصدقاء يتطرق بنا الحديث عن شيء أو شخص أو حتي فيلم ما فأجد نفسي بشكل تلقائي أتحدث عن تفاصيل هذا الشيء الصغيرة فأتذكر إبتسامة أو إشارة معينة وكثيراً ما يكون هناك العديد من المحاولات لإشراك أحد الأصدقاء في متعة تأمل تلك التفصيلة الصغيرة ولكنها دائماً ما يكون مصيرها الفشل وبالتالي تضيع علي أنا أيضاً تلك المتعة.
ولكن ما يزعجني دائماً هو تلك التعليقات والأراء السخيفة التي يكون من شأنها دائماً هدم متعتك في تأمل تفاصيل الحياة الصغيرة فعندما يلفت نظرك طفلة صغيرة مثلاً تؤدي شيء ما بالقرب من مكان جلوسك ويكون في هذا الشيء تفصيلة قادرة علي رسم إبتسامة ولو علي إستحياء علي وجهك فمن حقهما - الفتاة والتفصيلة - أن تتوقف عندها وتتأملها قليلاً وتعبر عن إعجابك ولو حتي بالصمت لثوان قليلة.
أما التفاصيل الصغيرة التي يجب أن تأخذ حقها في التأمل والنظر إليها كما يجب هي تلك التفاصيل التي يحتويها كتاب الحياة بين صفحاته، فمع كل صفحة وكل شارع وكل حارة في حياتك هناك العديد من التفاصيل الصغيرة جداً التي يجب أن تراها جيداً وتنظر إليها نظرة تتلائم مع دقة صنعها، فالشيء الأكيد أنها صنعت بتلك الدقة والمهارة لكي يكون لها تأثير ما علي المحيطين بها فهي ليست نوع من أنواع العبث أو النزق ولكنها أشياء صنعت بإحكام شديد لكي نتفاعل معها ونتأثر بها ونتحدث عنها ونكتبها ونراها كما تريدنا ان نراها .
والغريب أن تلك التفصيل لا تنتهي ولا تستطيع حصرها فهي موجودة بكثرة طوال الوقت، لذلك إذا كنت تنتظر مني أن أخبرك ما هي التفاصيل التي يجب أن تتوقف عندها فاللأسف الشديد سوف أخذلك فلكل منا حياته ولكل منا عدة دروب مختلفة نصنعها بأنفسنا وأي محاولة مني للتدخل لإيضاح إحدي التفاصيل في طريقك ستكون قلة ذوق وتطفل مني علي حياتك، ولكننا قد نلتقي ذات مرة عند تفصيلة واحدة في زقاق صغير من حياتنا وقد نتحدث كثيراً حولها وبعدها نفترق ليذهب كل منا في طريقه فقد تجعلنا إحداها نسلك طريقاً دون الأخر ولكن الأكيد أنها سوف تزيد من متعة الحياة.
تخيل أنك تتفاعل مع كل الأشياء المحيطة بك من بشر وطرق وأشجار ومباني تُضفي عليها من روحك وتترك بها أثراً كما تترك هي بك علامات، أعتقد أن الله خلقنا لهذا وكذلك أعطانا القدرة علي خلق تلك الأشياء لنفس السبب فقد تكون إحدي تلك التفاصيل تحتوي علي علامة قادرة علي تغيير مسارك لتسلك طريقاً سرياً لا يستطيع أن يدلك عليه سواها.