السبت، 12 سبتمبر 2009

وما هي الحياة إلا عنبر كبير


تتوقف أحياناً الخلايا الحياتية التي تتكون منها سراديب المخ عن العمل، وتسيطر عليها فكرة واحدة الا وهي مدي قوة وسطوة التناقض علي عالمنا، فقد أري في وقت من الأوقات أنني ومن حولي عبارة عن كم هائل من تلك التناقضات وبعدها بقليل أجد من يخبرني انني أنا السوي المستقيم وأنني بعيد كل البعد عن تلك الحالة، ولكن تلك المرة الموضوع مختلف تماماً فأنا أبحث عن تلك الأسباب التي تجعلنا نري أنفسنا ومن حولنا كماً من التناقضات السخيفة فإذا أردت أن تصحبني في رحلتي فهيا بنا.

لكي اسهل علي نفسي وعليك تلك الرحلة يجب علينا أن نتفق أن الأساس هنا هو الأنسان وبما أنه هو الأساس فكل شيء مباح وكل الاختلافات ممكنة ومسموح بها ولكن في حدود أنك إنسان تعيش في عنبر خاص بك أنت ومن هم مثلك.
********
سوف أقسم البشر المحيطين بي إلي عنابر .. حاشا لله أن أكون أنا من قسمتهم ولكن فطرتهم قامت وتكفلت بذلك
********
عقلاء .. أنفي عنهم بتلك الكلمة أن يكونوا أسوياء تماماً فليس هناك وجود لذلك الأنسان السوي الخالي من الشوائب النفسية ولكن العقلاء هم من تكمن ميزتهم في أنهم يعلمون حقاً بمرضهم النفسي ويتعاملون معه علي هذا الأساس ولا يخجلون من مرضهم فمن من البشر لا يحتوي علي تلك الأمراض النفسية وفي هذا العنبر تجد الكثير من الحكمة .

مشوشون .. أنفي عنهم بتلك الكلمة أن يكونوا عقلاء فالمشوش قد يكون انسان يحتوي علي العديد من الجوانب الإيجابية الجميلة والسلبية التي قد تبدوا أيضاً جميلة في بعض الأحيان ولكن تكمن ميزتهم في أنهم قد يكونوا غير مسئولين عن أفعالهم فهم مشوشين لا يعرفون لماذا هم هنا ولا أين يريدون أن يذهبوا إذا لم يكونوا هنا.

مرضي نفسيون .. أنفي عنهم بتلك الجملة أن يكونوا مشوشين والمريض النفسي هو بالطبع شخص وصل لنهاية الطريق مع نفسه فلا هو أصبح مشوش وعالق في منتصف الطريق ولا هو عاقل له القدرة علي التعامل مع مرضه النفسي بل تصدر عنه أفعال وتصرفات يكون غير مسئول عنها تماماً.

ما فات كانت عنابر رئيسية ولكن بجوار العقلاء والمشوشين والمرضي النفسيين تجد عنابر اخري تحوي بين حوائطها العديد من المشوهين نفسياً وأنصاف البشر إلي جانب بعض الأراجوزات الملونة التي لا تستحي من ألوان وجهها الباهتة والتي قد تجعل لحياة الأخرين نوع من البهجة الصناعية والسرور الزائف.

ولكن بعد كل تلك التصنيفات تتبقي حقيقة واحدة أن أبواب تلك العنابر مفتوحة علي مصراعيها للدخول والخروج ويحدث كثيراً الأختلاط بين عناصر تلك العنابر، هذا الأختلاط قد يكون له أثار عديدة يكون الغالب فيها سيء جداً، عندما يلتقون تجد بعضهم يسخر من الأخر وبعضهم يجرح الأخر وبعضهم يفعل أشياء أسوء من الجرح والألم والسخرية بكثير وهنا يأتي دور "الحكماء" الموجودين في عنبر يحمل إسمهم وهم مجموعة قليلة من البشر لديهم القدرة علي التعامل مع معظم - إن لم يكن كل - تلك العنابر المحيطة بهم .. وهبهم الله قدرة علي الصبر والتحمل والفدائية والجمال تجعلهم قادرين علي الإستمرار في عملهم الدائم الذي يمثل قدرهم ألا وهو الوساطة بين كل عنابر الحياة.

أشعر إنني أرهقت كل من صاحبني في تلك الرحلة ولذلك لم يتبقي لي سوي كلمة أخيرة أقولها وأرحل عائداً إلي عنبرى، يا ايها العاقل والمشوش والمريض والمشوه والأراجوز والحكيم كلكم يلعب دوراً في نفس الفيلم فإحرص دائماً أن تؤدي دورك بأكبر قدر ممكن من الإتقان ولا تخجل من نفسك وإذا شعرت إنك تريد أت تتحول من عنبر إلي أخر فتلك هي قوة وروعة الأداء والثقة بالنفس ولكن عندما تترك عنبرك لكي تذهب إلي عنبر أخر أفعل هذا وأنت مدرك لما أنت مقدم عليه حتي تترك أثرا طيباً في نهاية الفيلم وإبعد قدر المستطاع عن عنبر المجهولين فهو عنبر كئيب جداً سقفه يمنعك من الطيران ولا تدخله شمس الحياة ولا نور الأمل .



اللوحة - سلفادور دالي