الأحد، 26 يوليو 2009

الحياة لعبة


الحياة لعبة وطبيعي جداً أن تكون اللعبة ممتعة وإلا اختفت منها صفات الألعاب ، تدفعني هذه النظرة إلي الحياة إلي إغلاق جميع الشبابيك المطلة علي الحياة الخارجية وأنغلق علي نفسي في محاولة مني لاكتشاف ما قد يقابلني في المرحلة القادمة من اللعبة وقد أنجح في هذا وقد أفشل ولكن ذلك يكون سلاح ذو حدين ، فشيء مهم جداً أن نقوم بالحساب والتخطيط لحياتنا ولكن الأهم أن لا ندع الفرصة كاملة لكل تلك الحسابات والخطط في إفساد متعة اللعبة .

فهناك حد فاصل بين التخطيط والتدبير لخطواتك القادمة وبين التردد والتخبط ، وللأسف الشديد فهذا الحد الفاصل بينهم إذا تم تجاوزه فهو يؤدي إلي فقدان متعة الحياة في كونها لعبة فهي كأي شيء ممتع يعتمد علي الإثارة والتشويق ونسبة معقولة من المغامرة .. هذا ما شعرت به عندما شاهدت ذلك المشهد العبقري في فيلم " حالة بنجامين " فالمشهد يجسد تدخلات القدر الغير محسوسة وما يترتب عليها من احدث في لعبة الحياة في ثوان قليلة ، المشهد يصاحبه صوت "براد بيت" يحكي أن هناك فتاة تخرج للتسوق في باريس وبعد نزولها من بيتها تتذكر أنها نسيت معطفها فتعود لتأتي به وعندها يرن جرس الهاتف فتتوقف لدقائق للرد عليه وعندما تخرج إلي الشارع تشير إلي سيارة أجرة وبينما سيارة الأجرة تقف تلتفت هي لكي تغلق باب المنزل فيركب شخص أخر مكانها، فتنتظر هي تاكسي أخر، فيكون هناك تاكسي يحتسي سائقه القهوة في مكان قريب ينتهي منها ويتحرك بالسيارة تشاور له الفتاة فيقف فتركب معه .. ويبدأ في التحرك فيكاد يصدم شخص يعبر الطريق مسرعاً لأنه تأخر علي عمله خمس دقائق .. ثم يقف التاكسي أمام محل للهدايا لتشتري الفتاة هدية لصديقها الذي تشاجرت معه أمس ولكنها قررت أن تسامحه ، كل هذا يحدث وحبيبة براد بيت علي الجانب الأخر تقوم بإعداد بروفة أخيرة لرقصتها في أوبرا باريس وعندما تنتهي تقوم لترتدي ملابسها للخروج مع صديقتها ، وبمجرد خروج حبيبته إلي الطريق وهي تؤدي حركة راقصة "بدلع" تعبر سيارة الأجرة التي تقل الفتاة الأولي لتصدمها ويترتب علي ذلك فقدانها للقدرة علي أداء رقصاتها مرة أخري .

وجدت نفسي أتساءل مع صوت براد بيت هل لو لم يتوقف سائق العربة لتناول قهوته كان سيؤدي ذلك إلي نفس النتيجة ؟ والسؤال الأهم هل سيكون في قمة سعادته وهو يقتنص من وقت لعبة الحياة القليل ليشرب قهوته لو علم انه بعد دقائق قليلة سوف يكون السبب في القضاء علي حلم فتاة ترقص بمهارة .. طبعاً الإجابات واضحة تماماً .

وكأنه كان يقول لي أن الحياة أبسط كثيراً مما تبدو عليه ، ولتعلم جيداً أنها تبدو كذلك لأن هذا جزء من اللعبة ، فهي تحاول أن تُظهر لك مدي تعقيدها لكي تبذل أنت مجهوداً أكبر .ولكن بما انه لا يوجد أحد منا يعرف إذا كان شرب كوب من القهوة في قهوة بلدي قبل الذهاب إلي العمل قد يؤدي إلي شيء ما أم أنه سيمر مرور الكرام فهذا يعطينا جميعاً الحق في شرب القهوة في أي مكان سواء كانت قهوة مظبوط أو سادة .

نشرت في صفحة الغواصة ( جريدة الشروق )